ما معنى أن أكون تلميذا؟
" فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به "
( مت 28: 1)
قد يوجد فرق بين المؤمن والتلميذ .. فقد يكون المؤمن اسم اعتدنا أن نستخدمه على من تردد للكنيسة ، أو على ذلك الشخص الذي تواجد في المجتمع المسيحي ، ويكون بذلك اسما خلا من معناه ، كالأسماء العادية التي قد لا تحمل صفات أصحابها ، فليس كل من سمي بكريم يكون كريما وليس كل من دعي بحكيم كان فهيما وليس كل من أطلق عليه بعادل كان منصفا ، كذلك ليس كل من دعي بمؤمن كان مؤمنا ( تلميذا )
فحياة التلميذ حياة تعكس بالحقيقة اسم صاحبها ، وإذا أردنا أن نعرف المؤمن التلميذ فيكون هو الإنسان الذي اتخذ قرار أن يتبع الرب ، جاعلا هدف حياته تحقيق مشيئة الله وحمل رسالة المسيح للآخرين.
صفة التلاميذ المشتركة :
كم كان اختيار المسيح مدهشا عندما اختار تلاميذه ، فها هو يمضي طول الليل في الصلاة صارفا وقتا طويلا في التأمل والتفكير العميق ، وبعد ذلك يختار نخبة من العالم دعيت بالتلاميذ ، وعندما ننظر إلى هذا
الاختيار ونقوم بعمل تقييم عام وشامل نرى بأن :
فالتلاميذ لم يكون عندهم الإيمان العظيم فلم يكونوا تلك الطبقة المؤمنة الواثقة حتى وقع عليهم الاقتراع ، فهاهو بطرس ينكر معلمه في وقت الشدة وها هو توما يشك في وقت الحيرة ، فكم وكم من المرات وبخهم المسيح على ضعف إيمانهم ، فمرة ينتهرهم لعدم تصديقهم ومرة يضجر منهم لعدم تمييزهم وتفتح بصائرهم .
والتلاميذ لم يكون عندهم مواهب ، فلم يتحلوا بأوصاف جليلة ولم يكن عندهم تلك المقدرات والإمكانيات التي سيستفاد منها المسيح لبناء ملكوتك ونشر رسالته ، بل على العكس كانوا طبقة من ابسط طبقات المجتمع في ذلك الزمان فهم صيادي سمك يجهلون أمور الدين ولا يفهمون الكتب المقدسة أو كتب تفاسير المعلمين اليهود ، فها هم عرفوا من اللحظة التي وقفوا بها في الهيكل ينقلون البشارة ويكرزون بالإنجيل إنهم من الجليل صيادي سمك .
وهم أيضا لم يكونوا قديسين او كاملين ، فلم يتجه المسيح للفريسيين ولا لأتقياء الشعب المعروفين ولا للذين ترددوا للهيكل ، بل اختار اناس بسطاء كان عندهم أخطاء كثيرة ولم يحفظوا الناموس .
لكن على الرغم من كل الصفات السلبية التي ذكرناها عنهم إلا أن الكل كان يمتلك صفة مشتركة اعتمد عليها المسيح في اختياره
الا وهي الطاعة من قلب راغب فها هو بطرس واندراوس ، نثنائيل ، متى وغيرهم وبكلمة واحدة تركوا الكل... تركوا اعمالهم واشغالهم وعوائلهم وتبعوا المسيح
في قول المسيح ( إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني )
نكران النفس :
ماذا قصد المسيح في قوله لتلاميذه بأن ينكروا ذواتهم كي يكونوا تلاميذ له ؟ حقا هذه كلمات صعبة على مسامع بني البشر ، لكن من أراد ان يكون تلميذا عليه ان يضع هذه الكلمات نصب اعينه ويفهم ما معنى ذالك ويحسب الامور جيدا حتى لا تختلط عليه وهو يسير في هذا الطريق الصعب والضيق .
فأن انكر النفس معناه أن احسبها ميتة عن :
أولا الخطية : " فأميتوا اعظاءكم التي على الأرض الزنى النجاسة الهوى الشهوة الردية الطمع " ( كو3: 5 )
فبعد السقوط أصبحت النفس حبيسة الخطيئة والحل الوحيد لإطلاق سراحها هو موتها ليبطل الحكم ، فان اعيش تلميذا معناه أن أنكر ما استحلته واستطيبته ذاتي من خطايا الجسد ، مدرك جيدا أن حياة الخطية ماتت في جسدي وابتدأت حياة جدية بالروح في القداسة والطهارة .
ثانيا أركان العالم : " إذا ان كنتم قد متم مع المسيح عن أركان العالم فلماذا كأنكم عائشون في العالم تفرض عليكم فرائض.لا تمس ولا تذق ولا تجس "( كو2: 20 )
اركان العالم ام ناموس الله ؟ فكر العالم ام فكر الله ؟ ان اعيش تلميذا يجب ان اختار ان اموت عن احد هذين الامرين ،فإما ان اموت عن السلوك بموجب قانون العالم وأحيا لناموس الله ، أو ان اعيش للعالم واموت عن كل ما هو لله . فالذي تبع المسيح نكر النفس فمات عن أركان العالم وعاش حرا في وصايا وتعاليم الله .
أن انتقل من دائرة الأنا : الإنسان بالطبيعة يبحث عن وسيلة للحياة لكن هذا البحث الدائم يؤدي به إلى الاهتمام الزائد وفي النهاية يصبح هما فكره وغما في قلبه ، فالذي يعيش تلميذا خرج من دائرة الضغوط الحياتية من ما تحويها من المأكل والملبس والمشرب واتكل على الله في تسديد كل هذه الضروريات الخاصة بدائرة الجسد وانتقل ليحيا لا هو بل المسيح يحيا فيه فلن يعيش لذاته في هذه الدائرة لكن في دائرة الرب ، تلك الدائرة المفتوحة لخدمة للآخرين . فلن نستطيع أن نقبل ونحب ونعطي رسالة للآخرين إن لم نهتم بهم ولا نستطع إن نهتم بهم إلا إذا رفعنا أعيننا عن أنفسنا و نكرناها.
فها هو الحصاد كثير والفعلة قليلون ، والرب يضع المسؤولية على كل مؤمن أن يأخذ طريق التلمذة طريقا لحياته وللموضوع تكملة... |