كم كان قلبه ملئ بالحب وكم كان حبه عظيما, يا له من اله رحيم يا له من اله حنّان, كم يحزن على أحزاننا وكم يشفق على مآسينا ،إنه الإله الذي لم يستطع أن يترك الإنسان يذهب إلى الهلاك الأبدي ،لكنه بدافع المحبة فقط ترك صورة اللاهوت ترك عرش السماء آتيا في صورة العبد "في 2 :6 " ،كم كان قلبه ملئ بالحنان عندما أتى وشارك البشرية أحزانها ،إذ يذكر الكتاب المقدس الذي يروي قصة هذا الحب ،إن ذلك السيد المليء بالمشاعر الطيبة اتجاه الإنسان إنه بكى وذلك في موقفين من حياته وهو على الأرض ،إذ لم يكن يستطيع أن يخفي الحزن العميق الذي في داخله ،لذلك أطلق دمعات مريرة عبر فيها عمّا يدور في داخله ،دمعات أظهرت كم هو حساس ورقيق ،كم هو حريص كل الحرص على ألم الإنسان ومعاناته .
ففي مرة ذهب فيها من عبر الأردن إلى بيت عنيا مع تلاميذه لكي يكمل مخطط المجد الإلهي ،وهو في الطريق أعلم تلاميذه بتفاصيل الحادث ،وهو إن الحبيب إلعازر مرض ومرضه سيؤدي إلى الموت ،ولكن هذا الموت سيتحول إلى مجد ،وفي حقيقة الأمر لم يفهم تلاميذه معنى كلماته بالضبط ،هذا ما يحدث معنا في كثير من الأحيان في رحلتنا معه على درب حياة الأيمان ،إذ نتساءل كيف يكون الموت مخرجا للحيات ،وكيف يمكن أن يكون العار مجدا ؟ فاقدين بذلك عيون الإيمان المتكلة على رب الحياة ورب المجد ،لكن على أية حال يأتي الجواب الجميل من توما الشكاك ،لكن هذه المرة يعلن بها حبه العميق في تبعيته للمسيح ،وذلك بحثه التلاميذ بقوله لهم "لنذهب نحن أيضا ونموت معه" ،وما هي إلا بضعة كيلومترات وفي الوقت المعين بحسب ميقاتية الله وصل يسوع إلى بيت عنيا ،لكن للأسف الشديد ،إذ يبدو إن مواعيده لم تكن مظبوطة بحسب ساعة مرثا أخت الميت التي استقبلته بكلمات العتاب ،إذ إنه تأخر وفاته الوقت لأن يعمل المعجزة ،وقد يحصل معنا نفس الشيء إذ تكون مواعيدنا وساعاتنا مسبقة أو مؤخرة عن ميقاتيات الله ومواعيده ،وبالتالي يحدث عتاب وألم وشكوى ،لكن حياة الإيمان تقول غير ذلك لأن الرب وعد بقوله "أنا ساهر على كلمتي لأجريها" وكذلك أكد بقوله "في وقته أسرع به " فمسألة الزمن نقع كثيرا في فخها عندما نفقد حساسية الإيمان، مندفعين ومنساقين بتيار الظروف ودوامة الحياة ،غير عالمين إننا في يدي ذاك الذي له حتى في الموت مخارج.
ما هي إلا بضعة دقائق حتى تأتي مريم الأخت الثانية بكلمات العتاب ذاتها خارا عند قدميه غاسلة إياها بدموعها ،ومعها جمع كثير من المدينة يبكون وينوحون على كربها وحزنها ،وفي تلك اللحظة التي نظر بها يسوع هذا الألم ،اطرب بالروح وغاصت في داخله مشاعر لا يمكن أن نعبر عنها نحن البشر إلا في دمعات ،وهذا ما حصل مع الكلمة الذي صار جسدا "يو14:1" نعم إنه بكى .
إنها الآية رقم "35"من الإصحاح الحادي عشر في إنجيل يوحنا البشير "بكى يسوع".
كم كان موقف الموت هذا يحزن الرب "مز 15:166 عزيز في عيني الرب موت أتقيائه" ،نعم حقا إن الموت لم يكن في مقاصد المخططات الإلهية للبشر ،ولكن الذي حدث منذ البدء إن الإنسان اختار الموت بنفسه "تك17:1" ،فالموت حادث طارئ على مخطط السعادة الأبدية، ولكن ماذا يفعل ذلك السيد المحب؟ هل يقف مكتوف الأيدي مسلما الأمر للأقدار؟ أم يظهر مشاعر
الحب دون أن يتدخل ويحل الموقف حتى ولو كلفه ذلك الكثير؟
في الحقيقة لم يرضى أن تتحمل البشري وحدها ألم الحياة ،مع إن ذلك نصيبها الذي اختارته، لكنه بدافع المحبة وحدها أتى ليشترك في كل حزن وفي كل ألم أصاب خليقته "عبر17:2 " ،فمع إنه الملك الذي يستحق أن تحنى له كل الركب وأن يمجد اسمه في كل الأرض إلا إنه
لم يرضى بموكب إلا طريق الجلجثة
ولم يرضى بعرش إلا بصليب العار
ولم يرضى بتاج إلا إكليل الشوك
نعم حقا كان طريق الآلام هو نفسه طريق الحياة ،فبكلمة من فمه المبارك، تلك الكلمة التي خلقة وأعطت حياة في بدء التكوين ،اجتازت مرة أخرى إلى داخل قبر إلعازر الحبيب وأعادت الحياة لجسده الميت من جديد.
ملمحا بذلك لفجر القيامة التي دوت فيه أعلى صرخة نصر "ليس هو هاهنا لأنه قام" معطيا بذلك الرجاء للذين سيؤمنون به.
فدمعة السيد هذه عند قبر إلعازر لم تكن إلا إشارة إلى الأحزان والآلام والأمراض التي تحملها المسيح بدلا عن البشرية "أش53 رجل أوجاع ومختبر الحزن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا". |