هل يوجد كلام معبر أكثر مما سطره إشعياء النبي في إصحاح "53 " إصحاح العبد المتألم، يتحدث فيه واصفا الجماهير المترقبة نهاية الدرامية المأساوية ،كأنه بجانب قائد المائة الذي بعدما نفذ الحكم الشنيع انتابه الخوف من هول الواقعة ،أو كأنه كان بالقرب من الأم الباكية العذراء مريم سامعا أناة قلبها نتيجة السيف الذي جاز بها
نعم كان شاهدا بالروح القدس عن هذه الحادثة التي كانت ستقع على مقربة..7سنة من حياته ،واصفا بتفاصيل دقيقة الصليب مظهرا مشاعر السيد المتألم ،ومفصحا عن حقيقة ردود فعل العالم التي وجهت أسهم البغضة والكراهية لذلك المحب الغفور ،إذ يكتب في عدد "3 "محتقر ومخذول من الناس رجل أوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به " يا لها من كلمات وصفت احتقار الناس للسيد ،إذ بصقوا عليه وعروه وسخروا منه وضحكوا عليه وأهانوا كرامته ،أما هو كما يروي إشعياء "إنه تذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم فاه " يا له من أتضاع عجيب يا له من تحمل مرير ما صبر عليه ذلك السيد، وكل هذا لأجـــل سبــب واحد يصرح إشعيـــاء بقوله "لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا كلنا كغنم ظللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه أثم جميعنا " نعم كل هذا الألم وكل هذا العذاب وكل هذا الاحتقار كان لأجلنا ولأجل فدائنا، أما موقفنا اتجاهه فكان موقف الرفض وعدم القبول موقف الاحتقار والسخرية.
وينتقل إشعياء لوصف الرفض الأعمق ،الرفض الذي واجهه يسوع وهو معلق على خشبة العار من سيف العدالة الإلهية ،إذ يكتب "أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن " فكم كانت ثقيلة وقاسية تلك التيارات العظيمة على رأس المسيح ،وكم كان مرا ذلك الكأس مرارة العلقم عندما
اخذ سيف العدالة حقه بالكامل من دم المصلوب كفارة عن كل خطايا وذنوب العالم فيما اقترفته من تعديات اتجاه عدالة الله وحقه المطلق ،إذ أن زكريا أشترك أيضا في وصف تلك الحادثة بقـــوله على لسان الرب (زك13: 7 ) "أضرب الراعي "مشاركا إياه كاتب المزامير (مز22 و61 ) مظهرا هول الظلام الذي غطى رأس المسيح صارخا بالطبيعة البشرية للآب" إلهي إلهي لماذا تركتني "، معلنا إنه لا توجد أية أسباب شخصية ،أو أية خطية واحدة تطالبه بها عدالة الله "من منكم يبكتني على خطية " إلا تلك الخطايا التي قبلها طوعا ،متمما بذلك المسرة الإلهية "أما الله فسر....." وذلك لفداء واسترجاع الذي قد هلك.
حقا كانت ساعات لم تستطع السماء أن تخفي مدى حزنها وألمها، فأظلمت معلنة إنها أرهب لحظة في التاريخ،بموت رب السماء عن تراب الأرض.
هذا هو يسوع الذي أتى في صورة الاتضاع ،مرفوظا من الناس ومدانا من سيف العدالة الإلهية وذلك لأجلي ولأجلك .
فهلا وقفت على قدميك ،وخلعت نعليك ،وانحنيت خشوعا ،ووضعت يدك على وجنتيك ،وذرفت دمعا من عينيك وصرخت من أعماق قلبك قائلا:
" أنت عظيم...أنت عظيم...أنت عظيم" |