هذه العبارة يرددها أغلب الناس وهم يتعثرون في مسيرتهم في درب هذه الحياة الصعبة القاسية، لكن الذي يلفت الانتباه هو أن كل إنسان يريد أن يحتفظ بهذه الجملة لنفسه، ويشعر بالغيرة إذا استخدمها أحدهم أمامه. كأن هذه العبارة ( مشكلتي ليس لها حل أو مشكلتي هي الأصعب ) هي تخصه وحده. مع إنها جملة تحوي الكثير من الضعف والعجز في معناها، إلا أنها على ما يبدو تحمل معها سراً وستراً لؤلئك الذين يتهربون من مسؤوليات الحياة والتزاماتها . فبعدما فيقومون بإعمال غبية ومخجلة يتسترون وراء تلك العبارة عندما يكون الموقف خطراً على شخصيتهم وكرامتهم.
قد تجد أن هذه الكلمات مبالغ بها بعض الشيء لكن في نفس الوقت تجدها حقيقة واضحة تصادفها كل يوم في علاقاتك المتنوعة " في المنزل ، الشغل ....وحتى في الكنيسة " .
فعلى ما اذكر أنني عندما كنت طفلاً كانت عندي مشاكلي التي كنت أتوقع إنني الوحيد في هذا الكون الذي يعاني منها. كم كان يقلقني أنني لا امتلك دراجة مثل التي كانت عند قريبي، أو تلك اللعبة المشوقة التي عند صديقي، ويوماً بعد يوم اختفت مشاكل وظهرت أخرى وسنة بعد سنة ابتدأت أمور الحياة تتعقد في متطلباتها والتزاماتها. وهنا برأيي يظهر السبب الجوهري الذي يولد المشكلة وهو الأنا الإنساني الذي لا يدع المشكلة تنحل أو تنتهي .
الأنا هي سبب كل المشكلة ، لأن هذه الأنا لا تتوقف عن أن تتمنى وتتمنى أشياء كثيرة، وفي اللحظة التي لا تجد شيء تطلبه تقوم بالبحث عن أمنية " أي مشكلة " لأنه على ما يبدو أن هذا من طبعها، تحب أن تخلق المشاكل .
قد يكون التمني إيجابياً بحد ذاته، إذ أنه يفتح الطموحات أمام الإنسان ويطرق أبواب التطور والتقدم، إلا أنه في كثير من الأحيان ــ أقصد التمني ــ لا يطالب فقط بما ليس عنده بل يطالب بما ليس بمقدوره أن يفعله. هنا تتأصل المشكلة وتتطور فيتسلط الفشل
في الداخل ويظهر التعب على الخارج، ورويداً رويداً تتقولب المشكلة لتصيب الإنسان بالعجز عن الإنجاز، فمع إنه بمقدور الإنسان أن يفعل الكثير بالإمكانيات المتاحة والمتوفرة لديه لكنه يبقى في مكانه عاجزاً عن الحركة عديم الإنجاز، والسبب على ما أعتقد هو في النظر إلى ما أنجزه الآخرين والتأمل في حياتهم التي تبدو كاملة ومتفاعلة مع الحياة، بدون أي اصطدامات أو قلاقل.
أما الدواء النافع والفعال فهو الرضا والاقتناع بما عندي وبما امتلك، وهذا لا يأتي في الحقيقة إلا من عند الرب الذي يعطي الإنسان القناعة بعمله وبأسرته وبنظام حياته، بأنه هو العطية التي ينبغي أن يتمتع ببركاتها ويقوم بالإبداع والتقدم بحسب المعطيات والهبات التي قدمها الله له عندها يعيش كل أيام حياته فرحاً شاكراً الله في قلبه كل حين.
إنها نقطة مهمة في حياتنا كمؤمنين أن ننتبه إليها ونحرص أن نضعها أمام أعيننا في كل حين، وفي كل المشاكل والصعاب التي تواجهنا.
فكم وكم من المرات نسينا يد الله المباركة على حياتنا وصح لنا قول المزمور " باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته " وكم وكم من الأحيان لم نشعر بالاكتفاء ونسينا بركات الرب في حياتنا، بل وأيضاً نكرناها وكأن كل تلك العناية وكل تلك البركات وكل تلك الوزنات إنما لا تكفي ولا تسد أنانيتنا واحتياجاتنا. أليست حياة الشكر لله هي شعار الحياة المسيحية أم إننا مؤمني سنة 2010 ، مؤمني الأيام الأخيرة استبدلنا حق الله في الحياة في المسيح إلى الحياة في العالم وأصبحت الذات هي المتربعة على الحياة.
إنها دعوى لكل من قبل المسيح أن يحيا أيضاً المسيح ، لكننا وللعجب بعدما ابتدأنا بداية صحيحة حالت حالتنا الآن في التدهور الروحي ولم يعد لسان حالنا إلا التكلم عن ضيق الحياة وضعفنا وابتعادنا وفتورنا... والسبب كما تكلمت وقلت وللمرة الألف أردد وأقول هو في إهمالنا وتركنا هذا الاختيار المبارك عن دعوة المسيح لنا الذي هو عماد الحياة المسيحية " حينئذ قال يسوع لتلاميذه إن أراد احد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني، فان من أراد أن يخلّص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من اجلي يجدها "
مصلياً للرب أن يملأ دواخلنا للعيش معه وله دائماً وبأن تتجسد دعوة المسيح في حياتنا بشكل أوضح، فنترك العالم ومشاكله وننكر الذات بأنانيتها ونسعى قدماً للحياة الأفضل في شخص المسيح. |