وها نحن مرة أخرى أما تلك الساعة ، الساعة التي طال انتظارها ، ارتقبها أنبياء الله في العهد القديم وتهللوا كي يروها ، تكلموا عنها كثيراً وتاقوا أن يبصروا بصيص إشعاعها ، لكنهم لم يحضوا بمشاهدتها بل عاينوها من بعيد ، أحسوا بحتمية وقوعها وشعروا باقتراب حلولها فنطق لسانهم بكل تفاصيلها ، وسطرت أقلامهم كل حيثياتها .
مؤكداً الله من خلال موضوع نبوتهم انه المدبر الأعظم لما يجري على أرضنا ، الماسك زمام التاريخ من بدءه إلى نهايته ، المتداخل في أحداث بني البشر والمغير تدابيرهم .
مؤكداً انه العالم بكل شيء الذي لا يخفي عنه أي فكر، كاشف الأسرار وفاحص أفكار القلوب ، المتيقظ الذي لا ينام ولا ينعس الساهر على كلمته ليجريها .
ومؤكداً أيضاً انه القادر على كل شيء الذي لا يعسر عليه أي أمر ولا تقف أمامه مشكلة ولا يرتفع أمامه جبروت إنسان ، الفاعل ما يشاء بمن يشاء .
فلموضوع الميلاد مساحة كبيرة في نبوءات الكتاب المقدس ، لم يبخل روح الله عن كشف تدابيره لأنبيائه ، فنطق لنا على لسانهم وساق بأقلامهم تفاصيل هذا الحدث الفريد الذي لا يمكن أن ينطبق إلا على شخص واحد وهو شخص المسيح الذي جاء من باب النبوة مطبقاً كل تفاصيلها بدقة مدهشة ، ولنا أن نتأمل في بعض السطور العريضة التي جاء ذكرها في الكتاب المقدس في عهده القديم وأتى المسيح وأتمها بميلاده.
كيفية الميلاد
" ولكن يعطيكم السيد نفسه آية.ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل." ( أشعياء 7 : 14 ) و تمت في ( متى 1 : 18- 22 )
كيف يولد الله ؟
كيف يأتي الله ليتحد بالإنسان ؟
وهل يمكن ذلك ؟
هذه أسئلة إجابته كانت في ميلاد المسيح من أمرآة عذراء ، ظلل الله بقدرته القديسة مريم ليتخذ منها جسدا ويكتسي دماً ولحما ، ليكون إنسانا من دون زرع بشر بل من روح الله ، فأتى إنسانا إلها في اتحاد رائع ومدهش اظهر محبة الخالق لخلائقه بني البشر ، فهذه النبوة تنبأ بها اشعياء قبل حدوثها بمئات السنين مخبراً بها عن كيفية ميلاد المسيح وهكذا حدث بالفعل في ما أورده متى الرسول في الإصحاح الأول من بشارته.
علامة السماء
" أراه ولكن ليس الآن.أبصره ولكن ليس قريبا.يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من اسرائيل " ( عدد 24 : 17 ) و تمت في( متى 2 : 2 )
ها هو خالق السماء والأرض ناظم الكون ومسيره يعطي علامة واضحة في جلد السماء يعلم بها علماء ذلك الزمان - المجوس - الذين أمضوا حياتهم راصدين قبة السماء بحثاً عن الحقيقة وتوقاً إلى الله .
علامة في السماء ساقتهم حيث يوجد صاحب هذا النجم وخالقه ، اشارة وأعلاناً من الفلك عن قدر ومقام هذا الملك . فهذه نبوة أخرى تنبأ بها النبي بلعام وكتبت في سفر الشريعة قبل مجيء المسيح بحوالي 1400 سنة أخبرت بحدوث أمور جديدة في رقعة السماء وهذا ما حصل عند ميلاد المسيح إذ ظهر نجمه علامة واشارة واعلاناً.
زمن الميلاد
" سبعون أسبوعا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين. فاعلم وافهم انه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعا يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة وبعد اثنين وستين أسبوعا يقطع المسيح وليس له "
( دانيال 9 : 24 ، 26 ) .
مع إن هذه النبوة تتحدث عن تاريخ شعب إسرائيل من تجديد الهيكل إلى وقت النهاية إلا أن ذكر وقت مجيء المسيح وموته مسجل بها . فبداية السبعين أسبوعا هي من السنة العشرين لملك فارس ارتحشستا أي سنة 454 قبل الميلاد وبدأ حسابها في 7 أسابيع من وقت إصدار حكم البناء إلى تنفيذه يضاف لها 62 أسبوعا في ما ورد في العدد 26 وهي من وقت تنفيذ البناء إلى وقت مجيء المسيح وموته ، فحساب 69 أسبوعا نبويا يعادل 483 سنة على اعتبار كل يوم من الأسابيع سنة ، و يطرح منها 33 سنة وهي مدة حياة المسيح على الأرض فينتج عنها 450سنة من وقت أمر ملك فارس إلى مولد المسيح ، هذه كلها سجلها دانيال في كتابه قبل حدوها بحوالي 500 سنة ، ترقبها من بعده أتقياء الله وفهموها وكانوا منتظرين سنة تتميمها ، فها سمعان الشيخ في الهيكل منتظرا خلاص الرب وها هي حنة بنت فنوئيل لا تفارق الهيكل بل منتظرة ومسبحة إلى وقت إتمام وعد الله بمولد المسيح .
يا لها من نبوة اخترقت أستار الزمان وعبرته مخبرة بدقة عن وقت ميلاد المسيح ومجيئه
مكان الميلاد
"أما أنت يا بيت لحم افراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل." ( ميخا 5 : 2 ) و تمت ( لوقا 2 : 1-5 ).
وهنا يحدد الله المكان لميلاد المسيح وينبئ به ميخا النبي قبل 700 سنة من حدوثه ، ومع أن تقسيمات الإنسان أبعدت أبوي يسوع من تواجدهم على هذه الرقعة الجغرافية إلا إن حكمة الله وتدبيره أعدت وحسبت كل الاحتمالات بتخطيط عجيب وذلك من خلال التعداد السكاني الذي حصل قبل الميلاد بقليل في زمان الإمبراطورية الرومانية فألزم كل إنسان أن يرجع إلى مسقط رأسه وهكذا اتجه يوسف البار وامرأته إلى حيث أراد الله أن يتم مكان الميلاد .
النسل الملوكي
" يهوذا إياك يحمد إخوتك يدك على قفا أعدائك يسجد لك بنو أبيك. يهوذا جرو أسد.من فريسة صعدت يا ابني.جثا وربض كأسد وكلبوة.من ينهضه. لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب. رابطا بالكرمة جحشه وبالجفنة ابن أتانه غسل بالخمر لباسه وبدم العنب ثوبه. مسود العينين من الخمر ومبيض الأسنان من اللبن." ( تكوين 49 : 8- 12 ) و تمت في ( متى 1 : 1 17 ) .
ملك الملوك قادم صاحب الرئاسة والسلطان آتٍ ، السبط الأقوى والنسل الذي ملك بحسب خطة الله ، الجماعة التي لاصقت الهيكل ولم تبتعد عن الله كبقية الأسباط الأخر بل بقيت على تقليد الآباء وكتبهم ، من هذا السبط الذي لم يتبعثر بل صمد بعون الله بالرغم من التأديب والسبي أتى المسيح ، ملك من سبط يهوذا ومن سلسلة داود الملك الذي ملك بحسب قلب الرب .
كل هذه النبوات وغيرها من النبوات الكثير التي لم أوردها هنا قدمها الله لعبده في العهد القديم أعد بها الجيل المعاين للحدث ، فهل يمكن للإنسان أن يخطئ في التحديد ليطبق هذه التفاصيل على شخص آخر غير شخص المسيح؟ وهل يمكن للإنسان أن يتجاهل متغافلا كل هذه الإعلانات ويناقضها ؟
الإجابة ممكن أن تكون بنعم ، وهذا في حالة واحدة وهي في قول المسيح على فم اشعياء النبي : " لأنهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون. فقد تمت فيهم نبوة اشعياء القائلة تسمعون سمعا ولا تفهمون.ومبصرين تبصرون ولا تنظرون.لان قلب هذا الشعب قد غلظ.وآذانهم قد ثقل سماعها.وغمضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فاشفيهم." متى 13 : 13 و 14 ). |