على كل إنسان مسئولية محددة في هذا العالم ، فهو جزء لا يتجزأ من الكون ، وذلك من خلال علاقته وتأثره به ، فهو أي الإنسان حلقة من حلقات الخليقة ، وفي الحقيقة إن هذه الحلقة تقع في طرف سلسلة الخلق الإلهية ، فالإنسان هو آخر عمل من أعمال الخليقة ، وبمعنى أدق هو أسمى وأرقى ما توصلت إليه تدبيرات الله في الخليقة على الأرض ،وهذه حقيقة واضحة في الكتاب المقدس ، وذلك من عدة نواحي:
هو الكائن الوحيد الذي قال عنه الله عند خلقه إنه على صورته وشبهه.
ففي "تك 26:1 " مكتوب "وقال الله لنعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا " فالإنسان مخلوق على صورة الله ، وقد لا ندرك الأبعاد العميقة التي تحويها هذه العبارة ،إلا إننا يمكن أن نستلخص بعض الأفكار الواضحة منها:
آ-الإنسان هو الكائن الوحيد الذي خلقه الله ليكون في شركة شخصية معه،وذلك لأنه عندما خلقه كلم نفسه "نعمل" بصفة الجمع التي تتضمن الشركة ، فأصبحت بذلك عليه خليقة هذا الكائن ، فالله المثلث الأقانيم القائم في الشركة الأزلية التي تعبر عن عمق المحبة ، أراد أن يشرك هذا المخلوق معه بعلاقة "اجتماعية " إذا جاز التعبير ، علاقة تمتاز بالشركة الشخصية وبالمحبة الاختيارية ، وهذا لم يحدث مع غيره من المخلوقات الأخرى قاصداً الله بذلك الامتياز البشري بأن نعكس بعضنا لبعض صورة المحبة والشركة الأخوية ، مظهراً بذلك بصمة الخلق الذاتية على أسمى خلائقه.
ب-إننا مخلوقين على صورة الخالق الذي أبدع الخليقة ، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يتمتع بتذوق الإبداع عن باقي الكائنات الأخرى ،فصفة الإبداع هذه التي ظهرت في عملية الخلق وسمت في شخصية المخلوق الأخير من سلسلة الخلق ،فالإبداع جزء من عمل الله وصفه يتمتع بها الإنسان دون غيره ساعياً دائماً نحوها ،وعندما تتحقق ويجني ثمار إبداعه يشعر في الداخل بالارتواء و الارتياح لأنه وجد نفسه على حقيقتها ،ومن هنا تبرز مسئوليتنا اتجاه الوزنات المعطاة لنا من قبل الله فهذه المواهب والمقدرات يجب أن يقوم الإنسان بتحريضها لأجل تنميتها وتطويرها لأجل خدمة المجتمع البشري ،ولأجل تقديم دور فعال وإيجابي نحو الإنسانية ،فنحن على صورته وكشبهه من ناحية "شركة المحبة.الإبداع للمنفعة ".
هو الكائن الوحيد الذي تسلم السلطة من الله على الأرض
وذلك يظهر من الآيات في "تك1 :26 عندما قال الله لأدم "فيتسلطون على سمك البحر و على طير السماء و على البهائم و على كل الأرض و على جميع الدبابات التي تدب على الأرض "
في" عدد 28 " أخضعوها و تسلطوا...." و من هاتين الكلمتين "تسلط و اخضع " نجد :
آـ الإنسان هو صاحب السلطان على الأرض ،فله الحق في أن يخضع الخليقة ويستفيد منها لخيره ،ولكن هذا لا يعطيه الحق في أن يقوم بكسر القوانين الإلهية التي تقوم عليها موازين ومعايير الخليقة ،لأن الإنسان مهما كان له الحق و السلطان يجب أن يدرك أنه جزء من الخليقة ،وأن الخليقة هي ملك لله مالك الكون كله.
ب ـ الإنسان هو الوكيل والنائب عن الله ،والله يطالب الإنسان باًن يقوم بالمحافظة على الخليقة و الاعتناء بها ،وهذا يظهر في "تك 2:19 "إذ مكتوب عن الخليقة الحيوانية " فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها و كل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو أسمها " فالله ينتظر من آدم أن يقدم أسماء للحيوانات المختلفة ،وذلك لأنه مسئول عليها ،فكون آدم مسئول توجب علينا أن ندرك واجبنا اتجاه الخليقة ، بأن نلاحظ ما توصلنا إليه من اختراعات ،وتكنالوجية أحدثت بلبلة كبيرة في عالم الطبيعة من تلوث و انقراض لبعض أنواع من الحيوانات ،ومن أضرار لحقت بمساحات شاسعة لغابات بالكامل ،و تسربات نووية تهدد مصير جميع المخلوقات و من بينها الإنسان نفسه.
هو الكائن الوحيد الذي كان الله مهتماً لأجل خلاصه إلى ما لا نهاية.
و ذلك يظهر من خلال رموز في حادثة السقوط ،في أقمصة الجلد التي قلم الله بتدبيرها لتستر خزي آدم، و في الوعد الذي أعطي لحواء عن النسل الذي سيسحق الشر ،فمع أن الله لم يكن قد أعد خلاصاً للملائكة الذين سقطوا "2 بط 2 :4 " إلا أنه لم يفعل نفس الشيء مع الإنسان الذي سقط أيضاً بمحض إرادته .فحتى قبل أن يخلق الإنسان كان قد أعد له الخلاص ،الذي بدوره تطلب من الله أن يتدخل في تاريخية الإنسان "آدم أولا و بعد ذلك نوح و إبراهيم و نسله من بعده ،مقيماً معهم وعداً لهذا الخلاص المقدم الذي تحقق عندما جاء ملء الزمان و أتحد الخالق بالخليقة "و الكلمة صارا جسداً و حل بيننا " مقدماً بذلك تنازلات عظيمة لأجل الإنسان وكذلك "غل4 :4 لما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس " و في "في 2 :6 الذي كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس و إذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه و أطاع حتى الموت موت الصليب " هذا كان التدبير الإلهي المميز لإعادة الإنسان إلى مركزه الذي فقده عندما أخطأ ،و ذلك في شخص المسيح "أفس 1 :.1 لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السموات و على الأرض في ذاك " فالكل يسترجع في المسيح الذي يقوم بإعادة خلق الإنسان على صورة الله ،لأنه "المسيح" هو صورة الله ،فما أعظم هذا الامتياز الذي قدمه الله للبشرية الساقطة المتجهة نحو الهلاك ،و هنا تظهر مسئوليتنا الخطيرة اتجاه هذا الامتياز ،كل إنسان على حدى نحو هذا العمل الإلهي المقدم للإرادة الحرة و الاختيار الشخصي في قبول فداء المسيح على صليب الجلجلة ثمناً لسقوط البشرية و لإعادة خلقها من جديد بحسب مقاصد الله الأزلية لها. |